سورة الأنعام - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


ابراهيم: خليل الرحمن، أبو الانبياء بعد نوح، والاسم أعجمي معناه أبو الجمهور العظيم، أو أبو الأمة. أزر: أبو ابراهيم. قال البخاري: إبراهيم بن آزر، وهو في التوراة تارح والله سماه آزر. وقال كثير من المفسرين ان اسمه تارح، وآزر وصفّ له الضلال: العدول عن الطريق الحق. ملك الله وملكوته: سلطانه وعظمته جَنَّةُ الليل: ستره أفل: غاب بزغ القمر: طلع وجّهت وجهني: قصدت بعبادتي فطر السماوات: خلقها ومعنى فطر: شَقَّ الحنيف: المائل عن الضلال، المخلص في عبادته.
بعد أن بين الله لنا ان عبادة غيره عبث وضلال، وأمَرَنا أن نسلم اليه، لأننا سوف نُحشر يوم ينفخ في الصور- جاءت هذه الآيات لتشرح الموضوع الأساسي لهذه السورة، وهو بناء العقيدة على قاعدة من التعريف الشامل بحقيقة الالوهية وحقيقة الربوبية، ومنا بينهما من ارتباطات. لكنه يعالج ذلك في اسلوب من القصص اللطيف.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إني أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
اذكر ايها الرسول لهؤلاء المشركين، حين قال ابراهيم لأبيه آزر منكراً عليه عبادة غير الله: ما كان لك يا أبي ان تعبد الأصنام، وتتخذها الهة وهي لا تضر ولا تنفع إني أراك وقومك في ضلال ظاهر.
{وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض}.
وكما أرينا إبراهيم الحق في أمر أبيه وقومه فقد عمدنا إلى أن نريّه مُلكنا العظيم للسماوات والارض- بما فيها من بديع النظام وغريب الصنع- ليقيم الحجة على المشركين، وليكون في خاصة نفسه من الراسخين في الايمان.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل رَأَى كَوْكَباً قَالَ هذا رَبِّي}
ثم فصّل سبحانه وتعالى كيف هداه إلى الا يمان. فمال استنكر ابراهيم عبادة الأصنام طلب هداية الله، وأخذ يفكر في هذا الكون العظيم. وكان من أول أمره في ذلك انه لما أظلم عليه الليل، وهو يفكر في ملكوت الله- رأى كوكباً عظيما يقال إنه (المشتري) وكان قوم إبراهيم يعبدونه، فلما رآه قال: هذا ربي لكن النجم غاب فلما غرب قال إبراهيم مبطلاً لربوبية ذلك النجم: أنا لا أُحِب الآفلين، ولا اقبل عبادة الآلهة المتغّيرين. وفي هذا تعريض بجهل قومه في عبادتهم الكواكب.
{فَلَمَّآ رَأَى القمر بَازِغاً قَالَ هذا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين}.
وحين رأى إبراهيم القمر طالعاً بعد ذلك قال محدّثا نفسه: هذا ربي فلما أفَل القمر، شأن ساقه الكوكب- قال ابراهيم مسمِعاً من حوله من قومه، ليوجّه نفوسهم إلى الهداية: أٌقسِم إن لم يوفقني ربي لإصابة الحق في توحيده لأكونن من القوم الضالّين.
{فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هذا رَبِّي هاذآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يا قوم إِنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ}.
وفي هذه المرة الثالثة انتقل من التعريض إلى التصريح بالبراءة منهم، والتصريح بأنهم على شِركّ بيّن، فقد ظهر له الحق غاية الظهور.
ثم رأى ابراهيم الشمس طالعة بعد ذلك، فقال محدّثا نفسه: هذا ربّي، لأن اكبر مما يُرى من الكواكب قدراً، وأعظم ضياء ونوراً، فهو أجدر بالربوبية. بيد أنها أفلَت كما أفلَ غيرها. وعند ذاك صرح ابراهيم بما أراد التعريض به، وقال: يا قوم، إني بريء من هذه المعبودات التي تشركونها مع الله في العبادة.
وبعد أن تبرّأ من شِركهم بيَّن لهم عقيدته، وهي عقيدة التوحيد الخالص التي هداه الله إليها، فقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين}.
إني جعلتُ توجُّهي في عبادتي لمن خلق السماواتِ والأرض مجانياً كلَّ سبيلٍ غير سبيله، ولستُ بعد الذي رأيت من دلائل التوحيد ممن يرضى ان يكون من المشركين.
قراءات:
قرأ يعقوب: {آزرُ} بالضم على انه منادى.


حاجّهُ: جادله. السلطان: الحدة والبرهان. لم يلبسوا: لم يخلطوا الظلم هنا: الشرك في العقيدة أو العبادة.
بعد أن اطمأن قلب إبراهيم الايمان، جاء قومه يجادلونه فيما انتهى اليه من يقين، ليخوّفوه آلهتهم التي تنكّر لها. فظل صامداً يواجههم بيقين حازم، واعتمادٍ على ربه وخالقه الذي هداه.
{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أتحاجواني فِي الله وَقَدْ هَدَانِ...}.
وجادله قومه في توحيد الله وخوفوه من غضب آلهتهم، فقال: لهم ما كان لكن ان تجادلوني في التوحيد بعد أن هداني الله إلى الحق. أما آلهتكم التي تدْعونها فلا أخشاها، بل انها لا تضر ولا تنفع. لكن إذا شاء ربّي شيئا من الضر وقع ذلك، لأنه وحده القادر على كل شيء. ثم اتى ابراهيم بما هو كالعلة لما قبله فقال: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} واحاط بكل شيء.
{أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ؟}.
أتُعْرضون أيها الناس عن قولي بعدما أوضحته لكم من أنَّ آلهتمكم ليس بيدها نفع ولا ضر، وتغفلون عن أن العاجز الجاهل لا يتحق ان يُعبد؟.
{وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً}.
إنه لمن العجب أن أخاف ألهتكم الباطلة ولا تخافون أنكم عبدتم مع الله، الذي لا إله إلا هو، آلهةً باطلة!؟
{فَأَيُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
فأيّ فريق- أنا أم أنتم- في هذه الحال أحق بالطمأنية، واجدر بالأمن على نفسه من عاقبة عقيدته وعبادته ان كنتم تعلمن الحق وتدركونه!؟
{الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ}.
هنا يأتي الجواب. وهو لا شكَ في ان الذين آمنوا بالله تعالى، ولم يخلطوا إمانهم بظلم عظيم، كعبادة احد سواه، هم الاكثر أمناً، كما انهم هم المهتدون إلى طريق الحق والخير.
روى ابن جرير قال ما نزلت هذه الآية: {الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شقّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟ فقال: رسول الله: «ليس كما تظنُون، وإنما هو كما قال لقمان لابنه: {لا تُشرِك بالله إنّ الشِرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}».
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
هذه هي الحجة لاتي أعطيناهها ابراهيم لقيمها على قومه، فارتفع بها عليهم، وسينّتُنا في عبادنا ان نرفع بالعلم والحكمة من نريد منهم درجات، ان ربك يا محمد حكيمٌ يضع الشيء في موضعه، عليم بمن يستحق الرفعة ومن لا يستحقها.


وهب: اعطى بغير عوض. هدينا. أرشدنا. احسن: فعَلَ ما هو حسن. اجتبينا: اصطفينا حبط علمه: بطل.
بعد أن حكى الله تعالى أنَّ ابراهيهم اظهر حجة الله في التوحيد، وعدد وجوه نعمه واحسانه اليه، ذكر هنا انه جعله عزيزاً في الدنيا، وابقى له هذه الكرامة إلى يوم القيامة.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا}.
ووهبنا لإبراهيم إسحاق نبيّاً، ثم جعلنا من ذريته يعقوب وغيره من الأنبياء والمرسلين.
وانما ذكر إسحاق هنا دون اسماعيل لأنه هو الذي وهبه الله تعالى لأبراهيم بعد كبر سنه وعقم امرأته سارة، جزاءَ ام ظهر من إيمانه في قصة ذبح ولده إسماعيل، ولم يكن له ولد سواه.
{وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ}.
ووقفنا من قبلهم نوحاً إلى مثل ما هدينا ابراهيم وذريته. وقد ذُكر نوح هنا إيماءً إلى شرف نسب ابراهيم.
{وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وموسى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين (*) وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين}.
ومن ذريّة إبرايهم تناسل هؤلاء الأنبياء فقد ذكر في هذه الآيات سبعة عشر نبيّاً. وستأتي الاشارة إلى آخرين من ذرياتهم وآبائهم واخوانهم.. كل هذا ليدل على فضل إبراهيم ونوح عليها السلام، حيث جعل الله الكتاب والنبوة في نسلهما.
وقد جاء في سورة الحديد، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب} وهدينا من ذريته (إبراهيم) كلاً من داود وسليمان وغيرهما. فداود وسليمان وأيّوب وموسى وهارون، آتاهم الله الإمارة والملك مع النبوة والرسالة. وأيّوب كان أميارً غنياً محسنا ويوسف كان وزيراً عظيما وحاكماً متصرفا وموسى وهارون كانا حاكمَين ولم يكونا ملكين.
وزكريا ويحيى وعيسى والياء، كانت لهم ميزة الزهد والاعراض عن لذات الدينا ومن ثم خصّهم بوصف الصالحين.
واسماعيل وإليسع ويونس ولوط، وهؤلاء لم يكن لهم من ملك الدنيا ما كان للقسم الأول، ولا من المبالغة في الزهد ما كان للقسم الثاني.
{وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ}.
وهدينا بعض آبائهم وذرياتهم واخوانهم واصطفيناهم، فسلكوا طريق الخير والصراط الذي لا اعوجاج فيه.
{ذلك هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ}.
إن ذلك التوفيق العظيم الذي نالته هذه النخبة الكرام لهو توفيق من عند الله يُكرم به من يشاء من عباده.
{وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
ولو أشرك هؤلاء النخبة المختارة، لضاعت كل اعمال الخير التي عملوها، فلم يكن عليها ثواب.
{أولئك الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب والحكم والنبوة فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ}.
اولئك الذين آتيناهم الكتُب المنزلة والعلم النافع، وشرفَ النبوة، كما آتيناهم الحُكم، والقضاء بين الناس.
فإن يكفر المشركون من أهل المكة بالكتاب والحكم والنبوة، فقد وفقنا للإيمان بها وتولِّي نصر الداعي اليها قوماً كراماً لن يكفروا، وهؤلاء هم مسلمو مكة، ثم الانصار في المدينة، ومن أسلم بعد الهجرة. وحُكْمُ هذه الآية مستمر وباق إلى الابد ما دامت السماوات والارض.
{أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده}.
أولئك الانبياء الثمانية عشر الذين ذكرت اسماؤهم في الآيات السالفة، هم الذين وفقهم الله وهداهم، فاتّبعهم أيها النبي أنت ومن معك واقتدِ بهم.
{قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى لِلْعَالَمِينَ}.
قل ايها الرسول لقومك، كما قال الانبياء لأقوامهم: إنني لا أسألكم على هذا القرآن أجراً من مال أو منصب، وما هو الا تذكير للعالمين، كل غايت من تبليغه ان ينتفع به البشر جميعا ويهتدوا بهديه.
قراءات:
قرأ ابن ذكروان، وحمزة والكسائي وخلق ويحيى، {رأى} بكسر الراء وامالة الهمزة. وقرأ أبو عمرو بفتح الراء وامالة الهمزة والباقون {رأى} بفتح الراء والهمزة. وقرأ أهل المدينة وابن ذكوان {اتحاجوني} بتخفيف النون والباقون {اتحاجوني} بتشديدها. وقرأ الكسائي {وقد هداني} بالامالة.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف {اللَّيْسع} بتشديد اللام وفتحها وسكون الياء. والباقون {إلْيَسع} بسكون اللام وفتح الياء.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب، بحذف الهاء في {اقتده} في الوصل، واثباتها في الوقف، والباقون بااثبات الهاء في الوصل والوقف.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12